الشعر الجاهلي
الشعر الجاهلي
أمّا الشعر الجاهليّ، فيمكن تعريفه بأنّه: وصف مُزيَّن بالشواهد لحياة الجاهليّة، وأفكارها، حيث عكسَ العرب من خلاله صورة حقيقية دون تزويق، ولا تشويه. والشعر الجاهليّ: هو الشِّعر الذي ظهر عند العرب قبل الإسلام بحوالي 150سنة، إذ وثَّق الشِّعر الجاهليّ حياة العرب قديمًا، وتقاليدهم، ومعاركهم، ووصف طبيعة حياة البيئة الجاهليّة، وما تحتويه من جماد، وحيوان، إضافة إلى ذكر أسماء فرسانهم، وآبار مياههم، وغيرها من الأحداث، والمعلومات في الجاهليّة، كما اشتمل هذا الشِّعر على العديد من الشعراء ذوي النباهة، والبلاغة اللغويّة، وأهمّ هؤلاء الشعراء هم شعراء المُعلَّقات، من أمثال: امرئ القيس، وعنترة العبسيّ، وزهير بن أبي سُلمى، بالإضافة إلى العديد من دواوين الشعراء، والشاعرات، ممّن وصل إلينا شعرهم كاملاً، ومن الجدير بالذكر أنّ الشِّعر الجاهليّ اعتُبِر سِجلّاً مُهمًّا لحياة العرب قَبل الإسلام، كما أنّه قد مثَّل مصدرًا موثوقًا للمعلومات؛ حيث اعتمد علماء اللغة على هذا الشِّعر في وضع قواعد النحو، والتأكُّد من صحّتها، ولجأ علماء الفقه، ومُفسِّرو القرآن الكريم، إلى الشِّعر الجاهليّ؛ لبيان معاني الكلمات، وورودها في اللغة.
نشأة الشعر الجاهلي
وقد نشأ الشِّعر الجاهليّ في بوادي نجد، والحجاز، والمناطق المُحيطة بها من شمال الجزيرة العربيّة، علمًا بأنّ البادية كانت تُعتبَر المدرسة التي نشأ فيها الشعراء ذوي النباهة، من أمثال: المهلهل، وحاتم الطائيّ، وطرفة بن العبد، والنابغة، والأعشى، ولم يقتصر الشعراء في الشِّعر الجاهليّ على كتابة قصيدة واحدة فقط، بل إنّ مُعظم الشعراء كتبوا أكثر من قصيدة، وعُرِف كلّ شاعر بقصائده، وتميّز بها، أمّا في ما يتعلَّق برواية الشِّعر الجاهليّ، فقد كانت هي الأداة التي ساهمت في نشره، وقد تخصَّص في الرواية طبقة الشعراء أنفسهم، والذين أتقنوا هذه الوظيفة واحترفوها؛ إذ كان الشاعر الذي يريد نَظْم الشِّعر، وصياغته يُعيِّن شاعرًا آخر يروي عنه شِعره، ويَنشرُه.
شعراء العصر الجاهلي
كان للشعراء في الجاهلية مكانةٌ رفيعة في المجتمع، فكما كان للقبيلة قائدها كان لها شاعرها، وكانتْ قصائد الشعراء تستعمل كوسيلة للاسترضاء والمدح، وكانت أيضًا تثير الحروبَ، وقد أنجبت الحياة الجاهلية بما فيها من حبِّ وغزل وحلِّ وارتحال الكثير من الشعراء الكبار، منهم الفرسان والصعاليك وأبناء الملوك، حتّى من العبيد، وقد كان شعراء العصر الجاهلي يتمتعون بنَفَس شعري صافٍ ومنهم: عنترة العبسي: هو عنترة بن شدّاد بن قرادالعبسيّ، أشهر الشعراء العرب الفرسان، وُلِد من أبٍ عربيّ وأمٍّ حبشيّة، وله قصائد كثيرة في غزل محبوبته عبلة، وقد كان غزله بها عفيفًا جميلًا، اشترك عنترة في حرب داحس والغبراء، وقد ذاق حياة الحرمان من أبيه شداد قبل أن يعترف به ابنًا وينسبه إليه.
زهير بن أبي سُلمى:هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، كان من أشهر شعراء الحكمة في الجاهلية، وهو الشاعر ذو الخُلق الحَسَن والسيرة الطيّبة، وقد عُرفَ بصدقه فلم يمدح أحدًا بما ليس فيه، توفي قبيل ظهور الإسلام والبعثة النبوية، وهو من شعراء المعلقات.
طرفة بن العبد:عمرو بن العبد وطرفة هو لقب أُطلقَ عليه، يعدُّ من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، عاش بداية حياته في اللهو والعبث والمجون؛ وذلك بسبب موت أبيه فقد أساء أعمامه تربيته وسلبوا أمَّه حقوقها فنشأ هذه النشأة البائسة، لم يكن له قصائد كثيرة لأنّه عاش حياة قصيرة، وهو من شعراء المعلقات.
لبيد بن ربيعة:لبيد بن ربيعة العامري، وهو من شعراء العصر الجاهلي الذين أدركوا الإسلام، ترك الشعر بعد إسلامه فلم يكتب بعد ذلك إلا بيتًا واحدًا، في الجاهلية مدح ملوك الغساسنة ومنهم: عمرو بن جبلة وجبلة بن الحارث، عاش حياته في الكوفة وقد عاش عمرًا طويلًا، وله معلقة مشهورة.
الأعشى:هو ميمون بن قيس بن جندل، ولقّب بالأعشى لأنَّه كان ضعيف البصر وله معلقة أيضًا، وهو من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وكان من الشعراء الوافدين على ملوك العرب، والفرس، وتخلّل شعره الكثير من الألفاظ الفارسية، وقد وَفَدَ على الملوك بسبب حاجته للمال فكان يمدحهم مقابل الهدايا والأعطيات.
النابغة الذبياني:هو زياد بن معاوية من ذبيان، وقيل عنه النابغة لأنّه كتبَ الشعر في سنٍّ متأخرةٍ، ولكنَّه أبدع به دفعةً واحدة، كان من السادة في قومه، وقد توسّط لقومِه عند الغساسنة لمنع الحرب بينهم، كانت علاقته وطيدة بالمناذرة وأولهم المنذر بن ماء السماء، وعمرو بن هند، ولكن علاقته بهم انقطعت بعد ذلك، وهو من شعراء المعلقات.
امرؤ القيس:جندح بن حُجر بن الحارث الكندي، وكان مشهورًا باسم امرؤ القيس، يعدُّ من أبرز الشعراء في الجاهلية، وأشهرهم في التاريخ، لقب بألقاب منها الملك الضليل وذي القروح، تعلَّم الشعر مبكرًا من خاله المهلهل، وقيل إنَّه أول من وقف على الأطلال، وأول من بكى عليها ، وأول من أدخل الشعر إلى مَخادع النساء، وله معلقة مشهورة.
الحارث بن حلزة:اسمه الحارث بن حلّزة بن مكروه، من عظماء قبيلة وائل، كان يفتخر بقومه بني وائل كثيرًا حتى ضُرب به المثل في الفخر، لم يبقَ من أخباره الكثير إلا تدخله للاحتكام عند عمرو بن هند من أجل حل المشكلة بين بكر وتغلب، أنشد معلقته المشهورة للدفاع عن قومه.
عبيد بن الأبرص:عبيد بن الأبرص من قبيلة أسد، من شعراء المعلقات، عاصَرَ امرءَ القيس وكان بينهما مناظرات ومناقضات شعرية، قُتِل على يد المنذر بن ماء السماء، قيل أنَّه من حكماء العرب ودوهاتهم، لم يُعرف يوم مولد.
عمرو بن كلثوم:عمرو بن كلثوم التغلبي، شاعر جاهليّ عريق، من شعراء المعلقات، أمُّه ليلى بنت المهلهل، كان كريًا عزيز النفس شجاعًا، وهو من قتل عمرو بن الهند ملك المناذرة.
خصائص الشعر الجاهليالموضوعيّة
يتميز الشعر في العصر الجاهليّ بالخصائص الموضوعيّة الآتية:
- الاستطراد: يوصف الشعر الجاهليّ على أنَّه مستطرد؛ وذلك بسب تعدد موضوعاته، فلا يقف على موضوع واحد، وتبدو القصيدة وكأنَّها مجموعة من الخواطر، التي ترتبط مع بعضها البعض بوحدة الوزن والقافية.
- افتتاح القصيدة الجاهليّة بالمقدمة الطللية، وذلك من خلال الوقوف على الديار والتغني بها.
- توظيف الحكمة بشكل كبير في القصائد الجاهليّة، بحيث تُعبّر الحكمة عن تجربة الشاعر وخبراته في الحياة.
خصائص الشعر الجاهليّالمعنويّة
يختص الشعر في العصر الجاهلي بمجموعة من الخصائص المعنويّة، ولعل أهمها ما يلي:
- تصوير الواقع على حقيقته، وعدم الجنوح إلى المبالغة في التصوير. جنوح معظم شعراء الجاهليّة إلى الاشتراك في المعاني، والتي يُصورن فيها واقعهم الحسيّ.
- الإحساس في جمال البيئة والطبيعة، وذلك من خلال تصوير المرأة ومزج جمالها بجمال الطبيعة.
سمات الشعر الجاهليّالفنيّة
يتميز الشعر الجاهليّ بمجموعة من الخصائص الفنية، ومنا ما يلي:
- غلبة التشبيه على القصيدة الجاهلية.
- توظيف عددًا من المحسنات اللفظية والمعنوية. تصوير الطبيعة وعناصرها، وتمثيل الحياة فيها.
- توظيف الاستعارة. توظيف الموسيقى الهادئة في بعض الأحيان، والصاخبة في أحيان أخرى، وذلك بناء على موضوعات القصائد.
سمات الشعر الجاهلي من الناحية الشكلية
- المحافظة على التقاليد الشعريّة: حيث التزم الشعراء عند نَظْمهم للشِّعر بمجموعة تقاليد مُحدَّدة في مختلف قصائدهم، ومن هذه التقاليد:
- الوقوف على الأطلال، والبكاء، وخطاب الآثار، أو الأصدقاء، ثمّ وصف الشاعر لحاله؛ بسبب رحيل الحبيبة، ووصف جمالها، وبعد ذلك، ينتقل إلى غَرَضه الرئيسيّ في القصيدة، ويتميّز الشاعر الماهر عن غيره من الشعراء في حُسن الرَّبط بين هذه الموضوعات، والانتقال بسلاسة فيما بينها.
- العناية بالألفاظ، والعبارات: حيث كان الشعراء (خاصّة أصحاب الحوليّات) يمنحون اهتماماً كبيراً للألفاظ الشعريّة في شِعرهم، ويتحرَّونها بشكل جيّد بحيث تُؤدّي معناها، وغَرَضها، وتُؤثِّر بمحتواها في السامعين.
- والقارئ في الشِّعر الجاهليّ قد يجد بعض الألفاظ الغريبة، وغير المعروفة في وقتنا الحالي، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ الشعراء اختاروا في أشعارهم ألفاظاً غير موجودة، أو غريبة، بل يعني أنّهم كانوا يختارون الألفاظ المعروفة، والمُنتشِرة في مجتمعاتهم آنذاك، علماً بأنّ هذه الألفاظ قد ظهرت غريبة لنا؛ بسبب الفوارق الزمنيّة، وعدم استخدامنا لها، إضافة إلى أنّه كان يجب على الشاعر أن يُحافظ على قافية الأبيات.
- الوَحدة: حيث تميَّز الشِّعر الجاهليّ بتحقيق الجَرَس الموسيقيّ في كافّة مقاطع القصيدة، ممّا يدلُّ على المقدرة اللغويّة العالية لشعراء ذلك الزمن.أغراض الشعر الجاهلي